المواضيع الأخيرة
المواضيع الأكثر شعبية
المواضيع الأكثر نشاطاً
مواضيع مماثلة
أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر
لا يوجد مستخدم |
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم |
سحابة الكلمات الدلالية
الإسلاميّون ومجتمع الخراب (2) الوهابيّة، انطلاق الفتنة
حمادي- عضـــو جديــد
- الجنس :
الأبراج الصينية :
عدد المساهمات : 14
نقاط : 40
وسام السبيل : 0
تاريخ الميلاد : 28/05/1962
تاريخ التسجيل : 25/08/2011
العمر : 62
الموقع : لاأدري
العمل/الترفيه : عاطل منذ أربعين سنة
المزاج : منعدم
لسائل أن يسأل: من أين جاءت
فتنة الإسلام السياسي؟ ما هو المنبع الأصلي لهذه الحركة التي عاثت وتعيث في
العالم العربي فسادا منذ أكثر من نصف قرن؟ العديد من الدارسين أرجعوا، دون
تردّد، هذه المحنة إلى طرف واحد: الوهابية. وحينما نذكر الوهابية فإن
الذهن يذهب بنا مباشرة إلى ابن تيمية، الفقيه الحنبلي المتشدّد الذي كفّر
أهل الأديان قاطبة، ومُعظم أهل القبلة.
الإسلاميون المحدثون يعتبرون ابن تيمية إطارهم المرجعي الذي يستوحون من
كتبه جميع ما يحتاجونه سواء من حيث الفتاوى أو المقوّمات الإيديولوجية
لبناء الدولة الإسلامية. رأي الغنوشي لا يخرج عن هذه الحلقة، وربما وجدنا
عنده تعصبا لهذا الرجل أكثر من اللازم. فهو يعتبر ابن تيمية نجما من النجوم
المُضيئة التي أرسلها الله «في ليل الأمة(1)»؛ إنه واحد من زعماء التجديد
الإسلامي «الذين تسلّموا راية العلم والجهاد من يد المصطفى وهو يودّع
الحياة مطمئنا(2)». لم يجرؤ، على حدّ علمي، أي واحد من الوهابيين
والسلفيّين المحدثين على القول بأن ابن تيمية ـ فقيه متعصّب ـ تسلّم راية
العلم والجهاد مباشرة من رسول الإسلام.
وللتذكير فقط يجب القول بأن هذا الرجل الذي وصفه الغنوشي بالنّجم
الساطع، وبالغ الوهابيون وأتباعهم من الإسلاميين المحدثين في مدحه وإطرائه
وتعظيمه، لم يَره كذلك معاصروه من العلماء والفقهاء والقضاة، ولم يَكبُر في
أعينهم، لا بعلمه ولا بفتاواه المتشدّدة. لقد عارضوه وفنّدوا مزاعمه
وحدسوا منذ ذلك الوقت مدى خطورة هذا الرجل على الاسلام والمسلمين. ولكي لا
نَبقى في العموميات يجب الدخول في التفاصيل وإعطاء نبذة وجيزة عن آراء
العلماء فيه، وهي آراء في متناول الجميع، بحيث يكفي السباحة في الشبكة
العنكبوتية حتى نجد المئات منها. العزّ بن جماعة، أحد معاصري ابن تيمية
ومعارضيه قال: « إنَّهُ عَبْدٌ أَضَلَّهُ اللَّهُ وَخَذَلَهُ. نَسْأَلُ
اللَّهَ دَوَامَ الْعَافِيَةِ مِنْ ذَلِكَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ»، ذكره ابن
حجر العسقلانى في كتاب "الدّرر الكامنة". وذكر ولد الشيخ جمال الدين ابن
الظاهري في كتاب كتبه لبعض معارفه بدمشق أن ابن تيمية محلّ كره من أهل مصر:
«جميع مَن بمصر مِن القضاة والشيوخ والفقراء والعلماء والعوام يحطّون على
ابن تيمية، إلا الحنفي فإنه يتعصب له، وإلا الشافعي فإنه ساكت عنه. وكان من
أعظم القائمين عليه الشيخ نصر المنبجي لأنه كان بلّغ ابن تيمية أنه يتعصّب
لابن العربي فكتب إليه كتابا يعاتبه على ذلك، فما أعجبه لكونه بالغ في
الحظ على ابن العربي وتكفيره فصار هو يحطّ على ابن تيمية ويغري به بيبرس
الجاشنكير». كان مغرورا بنفسه، حصّل قسطا من العلم فإذا به يترّفع على رقاب
الناس ويحاول بكل الوسائل فرض أفكاره والتهجّم على العلماء المخالفين له
في الرأي. أصحابه، كما أشار الحافظ بن حجر ماحوا « إلى الغلوّ فيه»، وهذا
الغلوّ سبّب له «العجب بنفسه حتى زهى على أبناء جنسه واستشعر أنه مجتهد
فصار يردّ على صغير العلماء وكبيرهم، قويّهم وحديثهم حتى انتهى إلى عمر
فخطّأه في شيء، فبلغ الشيخ إبراهيم الرّقّي فأنكر عليه، فذهب إليه واعتذر
واستغفر. وقال في حق عليّ: أخطأ في سبعة عشر شيئا ثم خالف فيها نص الكتاب …
وكان لتعصبه لمذهب الحنابلة يقع في الأشاعرة حتى أنه سبّ الغزالي فقام
عليه قوم كادوا يقتلونه». ليس الغزالي فقط بل إن كرهه للعلماء والصوفية
جعله يتهجّم أشد التهجّم على ابن عربي متّهما إياه بالإلحاد، في الوقت الذي
يتبنّى فيه هو فكرة التجسيم التي تجاوزتها تقريبا كل الفرق الإسلامية، ما
عدا الحنابلة الذي ينتمي إليهم. اشتكى به الشيخ نصر المنبجي إلى بيبرس
«فبلّغه أن ابن تيمية يقع في ابن العربي لأنه (بيبرس) كان يعتقد أنه مستقيم
وأن الذي يُنسَب إليه من الاتحاد أو الإلحاد من قصور فهمِ مَن ينكر عليه.
فأرسل ينكر عليه وكتب إليه كتابا طويلا. ونَسَبَه وأصحابه إلى الاتحاد الذي
هو حقيقة الإلحاد، فعظم ذلك عليهم. وأعانه عليه قوم آخرون ضبطوا عليه
كلمات في العقائد مغيرة وقعت منه في مواعيده وفتاويه. فذكروا أنه ذكر حديث
النزول فنزل عن المنبر درجتين فقال كنُزولي هذا: فنُسب إلى التجسيم. ورده
على من توسل بالنبي صلى الله عليه وسلم أو استغاث».
ثم قال الحافظ ابن حجر إن الكثير من آرائه المغالية الموجودة في كتبه
جعلت العديد من العلماء يقتنعون بأنه حشوي مجسّم: «لِمَا ذكر في العقيدة
الحموية والواسطية وغيرهما: من ذلك كقوله أن اليد والقدم والساق والوجه
صفات حقيقية لله، وأنه مُستوٍ على العرش بذاته. فقيل له يلزم من ذلك
التحيّز والانقسام. فقال: أنا لا أسلّم أن التحيّز والانقسام من خواص
الأجسام. فالذمّ بأنه يقول بتحيّز في ذات الله». البعض الآخر ذهبوا أبعد،
ونسبوه إلى الزندقة «لقوله أن النبي لا يُستغاث به، وأن في ذلك تنقيصا
ومَنعا من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم. وكان أشد الناس عليه في ذلك
النور البكري، فإنه لمّا عقد المجلس بسبب ذلك قال بعض الحاضرين يُعذَر فقال
البكري لا معنى لهذا القول، فإنه إن كان تنقيصا يُقتل، وإن لم يكن تنقيصا
لا يُعذر». ومنهم من ينسبه إلى النفاق «لقوله في عليّ ما تَقدّم، ولقوله
إنه كان مَخذولا حيث ما تَوجَّهَ، وأنه حاول الخلافة مِرارا فلم يَنلها،
وإنما قَاتَلَ للرياسة لا للديانة؛ ولقوله أنه كان يحبّ الرياسة وأن عثمان
كان يحب المال؛ ولقوله أبو بكر أسلم شيخا يَدري ما يقول، وعليّ أسلم صبيا،
والصبي لا يَصحّ إسلامه على قول. وبكلامه في قصة خطبة بنت أبي جهل … وقصّة
أبي العاص ابن الربيع وما يؤخذ من مفهومها فإنه شنع في ذلك. فألزموه
بالنفاق لقوله صلى الله عليه وسلم ولا يبغضك إلا منافق». ونسبه قوم إلى أنه
«يسعى في الإمامة الكبرى فإنه كان يلهج بذكر ابن تومرت ويُطريه فكان ذلك
مؤكدا لطول سجنه». ولكن ككل الإسلاميين المتناقضين حتى في عصرنا الحالي،
إذا مُسِك متلبّسا بخطإ فإنه يتملّص منه ويلقي التهمة على خصومه بأنهم
قرؤوه خطأ، أو ما فهموا مقصده الأصلي. قال الحافظ إن لابن تيمية وقائع
شهيرة في هذا الشأن «وكان إذا حُوقِق وألزِم يقول لم أر هذا إنما أردت كذا.
فيذكر احتمالا بعيدا».
وهناك من العلماء من لم يستسغ إطلاق لقب شيخ الإسلام على ابن تيمية، مثل
العلامة أبو عبد الله علاء الدين البخاري العجمي الحنفي الذي قال إن مَن
أطلق على ابن تيمية لقب شيخ الإسلام فهو بهذا الإطلاق كافر . ابن رجب
الحنبلى كان يعتقد في كفر ابن تيمية وله عليه بعض الردود، وكان يقول بأعلى
صوته فى بعض المجالس : معذور السّبكى فى تَكفيره له . وقال بعض أئمة
الشافعية إن ابن تيمية ضالّ ومُضلّ، لأنه خرق الإجماع، وسَلَك مَسلك
الابتداع. نقلا عن كتاب الشرح الصغير تأليف الإمام العلامة أحمد الدردير
الملقب بمالك الصغير على مختصره المسمى أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك.
ابن حجر الهيتمي : فى الفتاوى الحديثية حذّر من ابن تيمية ومن تلميذه
ابن القيّم وهما معبودا الوهابية والسلفية في العالم الإسلامي الآن. قال
بالحرف: «وإياك أن تُصغي إلى ما في كتب ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية
وغيرهما ممن اتخذ إلهه هواه وأضلّه الله على علم، وخَتَم على سمعه وقلبه،
وجَعَل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله؟ وكيف تجاوز هؤلاء الملحدون
الحدود وتعدوا الرسوم وخرقوا سياج الشريعة والحقيقة فظنوا بذلك أنهم على
هُدى من ربهم وليسوا كذلك؟»
أحد علماء المسلمين واسمه أبو بكر الحصيني الدمشقي، وصف ابن تيمية بأنه
رجل خبيث وفي قلبه مرض وأنه صاحب فتنة، وقال أشياء أخرى لو سمعها من ادّعى
بأن ابن تيمية هو أعظم فيلسوف في العالم لمَزّق ثيابه ولأغمي عليه. قال: «
اعلم أني قد نظرتُ في كلام هذا الخبيث الذي في قلبه مرض الزيغ، المتتبع ما
تشابه من الكتاب والسنة ابتغاء الفتنة، وتَبِعَه على ذلك خلق من العوام
وغيرهم ممّن أراد الله عز وجل له إهلاكه، فوجدتُ فيه ما لا أقدر على النطق
به، ولا لي أنامل تُطاوعني على رسمه و تَسطيره، لما فيه من تكذيب رب
العالمين، في تنزيهه لنفسه في كتابه المبين، وكذا الازدراء بأصفيائه
المنتخبين من الخلفاء الراشدين، وأتباعهم الموفقين، فعدلتُ عن ذلك إلى ذكر
ما ذكره الأئمة المُتّقون، وما اتفقوا عليه من تبعيده وإخراجه ببُغضِه من
الدين».
أئمة أربع مذاهب متفقون على ضلال ابن تيمية، وضلال أتباعه: القاضي
المفسر بدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة الشافعي؛ القاضي محمد بن أبي
بكر المالكي؛ القاضي محمد بن الحريري الأنصاري؛ القاضي أحمد بن عمر المقدسي
الحنبلي.
لكن، وعلى الرغم من الشهادات المُرّة لمعاصريه من علماء وفقهاء وقضاة،
يبقى ابن تيمية بالنسبة لزعيم حركة النهضة، أعظم مجدّد في القرن السابع، لا
يُضاهيه أحد على مرّ التاريخ، بل إنه بمعنى ما، مصيرنا الحتمي إلى يوم
القيامة. ابن تيمية في نظر الغنوشي هو مُصلح عظيم، مُنزّه ومتعال على
حتميات التاريخ، أبلى البلاء الحسن في «هداية أهل زمانه إلى نور الله»، لا
بل كان «طودا شامخا على رأس المائة السابعة مضيئا طريق التجديد لا لعصره
فحسب، ولكن لكل العصور التالية وربما لما وراء ذلك، ما استمرّ دوران الليل
والنهار(3)». وكل العلماء الذين اقترفوا جريمة معارضته في عصره وفي العصور
التالية، وكل التيارات التي تألبت على هذا «المصلح العظيم»، يسمّيهم
الغنوشي علماء السّوء «المتسربلين برداء الدين يتوسلون به إلى المكانة
والحظوة»؛ المهزلة هي أن هؤلاء جميعهم لم يتفطنوا إلى أنهم فشلوا في مسعاهم
وخسروا الرهان مع ابن تيمية، بل إنهم « استكملوا قَدَر الله في جَمْع
معادلة العظمة للشيخ وتنصيبه أبد الدهر منارة للهُدى وقدوة للمصلحين(4)».
لا يجب علينا أبدا أن نشكّ في حقيقة أن منهج ابن تيمية الإصلاحي هو
المنهج الصحيح، وفي تناغم مطلق «مع المنهج الإسلامي ذاته كما أفصح عنه
القرآن الكريم وكلام النبوة وعملها(5)». فالرجل قد حرّر العقل والشريعة من
جميع أنواع الكفريات، أي: «مِن آثار فلسفة اليونان، وأغنوص الشرق، وجدليات
المتكلمين، وتلبّسات التصوف الفلسفي كما عبّرت عنه أعمال وشطحات بن عربي
والحلاج وابن سبعين، أولئك الذين لاثوا نَبْع الإسلام الصافي بِلَوث عقائد
اليهود والنصارى، الملتاثة هي ذاتها بالثقافة اليونانية وبالأغنوص
الشرقي(6)».
إن المنهج السلفي التيمي المبني على الأصلين الكبيرين: الكتاب والسنة،
مثّل، حسب اعتراف الغنوشي، «المعالم الرئيسية للحركة الاصلاحية المعاصرة»،
وهو بالفعل «أكبر القادة المفكرين الإسلاميين الموجهين للحركة الإسلامية
المعاصرة(7)». وقد تخرّج على يديه الشيخ محمد بن عبد الوهاب (يُسمّيه
العلاّمة المجاهد) الذي عمل في بيئته على «إحياء فكر ابن تيمية ولا سيما في
مجال العقيدة، تحريرا لعقيدة التوحيد من ألوان الضلال والشرك، وتأصيلا
لحرية الإنسان ومسؤوليته، وتحميلا للأمة أمانة الدين، أمرا بمعروف ونهيا عن
منكر وإقامة للشريعة(8)». لا أوافق، بل لا يوافق على كلام الغنوشي أي أحد
له اطلاع على كتابات ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب، لأنها تعجّ بالتشبيه
ومُخترقة بالتكفير والتهجّم على الفرق الإسلامية وعلمائها، ومنغمسة في
الحشوية حتى النخاع، وهي قصيّة جدّا عن أن تُنزّه الإله عن التشبيه
والتجسيم. ولكن في حقيقة الأمر الغنوشي أسدل ستارا سميكا على أشياء أخرى،
يعرفها القاصي والدّاني: لم يذكر الجرائم الفضيعة التي اقترفها بن عبد
الوهاب وأتباعه ضد المسلمين وانتهاكهم لمقدساتهم، وتقتيلهم وتدميرهم ونهبهم
لأملاكهم. لم يشر إلى حقيقة أن الوهابيّين لم يوجّهوا ولو رصاصة واحدة ضد
المستعمرين الانجليز والفرنسيين في تلك الفترة؛ لم يقاوموهم ولم يَثوروا
ضدهم، ولم يفتوا حتى بقتالهم، بل إنهم تضامنوا معهم وربّما سهّلوا عليهم،
بطريق مباشرة أو غير مباشرة، اجتياح العالم العربي واستعماره. لم يُبدو
شجاعتهم وبَأسهم ووحشيّتهم إلاّ ضد قبائل ضعيفة تعيش في الفقر والجهل.
والتقنية التي استخدموها لتبرير أعمال النهب والقتل، هي نفس التقنية التي
يستعملها الإسلاميون الآن: في البداية يكفّرون مخالفيهم ويُخرجونهم من
الملّة ويَتّهمونهم بالشرك، ثم بعد ذلك ينهالون عليهم بالسيوف والبنادق
يقتلون الرجال والنساء دون رحمة ويسبون ذراريهم وينهبون أموالهم ويحرقون
ديارهم.
كيف يمكن أن يكون مجدّدا في الدين ومقاوما للبدع والضلال من لا علم له
بالدين أصلا، ومن وقف في وجهه والده وأخوه وسائر المشايخ في عصره؟ أخوه
سليمان بن عبد الوهاب ألّف كتابا في إبطال دعوته وإثبات زيفها، وقد كان
رجلا حصيفا وواعيا، حيث تنبّأ بحجم المآسي والكوارث التي ستُصبّ على العالم
الإسلامي جراء جهالة أخيه وعجرفته. قال: «اليوم ابتُلي الناس بمن يَنتسب
إلى القرآن والسنة، ويستنبط من علومها ولا يبالي بمَن خالفه. ومَن خالفه
فهو عنده كافر، هذا وهو لم يكن فيه خصلة واحدة من خصال أهل الإجتهاد، ولا
والله ولا عُشر واحدة، ومع هذا راج كلامه على كثير من الجُهّال، فإنّا لله
وإنّا إليه راجعون(9)». ولقد ذكر أخوه بمرارة هذا التكفير المعمّم الذي قذف
به المسلمين واستحلّ به دماءهم وأعراضهم وأموالهم، ولم ينجُ من التكفير
حتى سكان أقدس الأماكن الإسلامية. قال مستنكرا: «أجريتم الكفر والردة على
أمصار المسلمين، وغيرها من بلاد المسلمين، وجعلتم بلادهم بلاد حرب حتى
الحرمين الشريفين اللذين أخبر النبيّ في الأحاديث الصحيحة الصريحة أنهما لا
يزالا بلاد إسلام وأنهما لا تُعبَد فيهما الأصنام … فكل هذه البلاد عندكم
بلاد حرب، كفّارٌ أهلها لأنهم عبدوا الأصنام على قولكم وكلّهم عندكم مشركون
شركا مُخرِجا عن الملّة. فإنا لله وإنا له راجعون. فوالله إن هذا عين
المحادّة لله ولرسوله ولعلماء المسلمين قاطبة». وكما كان الشأن بالنسبة
لابن تيمية مع علماء عصره من تكفيره وتضليله فإن محمد بن عبد الوهاب هو
أيضا نال من سخط العلماء ووصفوه بأنه ضال مصاب بلوثة ذهنية أو بِمَسّ من
الشيطان. فهذا أحمد زيني دحلان مفتي مكة ومؤرخ قال في كتاب الخلاصة: «لمّا
أراد الله أن يضلّ محمد بن عبد الوهاب ويضلّ به خلقا كثيرا سلّط عليه
الشيطان … وكان مَن تبعه وقَبِل منه كل ما يقول محمد بن سعود أمير الدرعية
واتّخذه وسيلة لاتّساع المُلك وانقياد الأعراب له فصار يدعوهم إلى الدين
وأثبت في قلوبهم أن جميع من هو تحت السّبع الطّباق مشرك على الإطلاق ومَن
قتل مشركا دخل الجنة(10)». وعلى حدّ قول دحلان فإن الظاهر من حال محمد بن
عبد الوهاب «أنه ادّعى النبوّة إلاّ أنه ما قدر على إظهار التصريح بها».
سليمان بن سحيم قاضي الرياض كتب في رسالة إلى أهل البصرة بشأن فتنة محمد بن
عبد الوهاب: «لقد خرج في قطرنا رجل مُبتدع جاهل، مُضلّ ضالّ، من بضاعة
العلم والتقوى عاطل، جرت منه أمور فضيعة وأحوال شنيعة(11)».
المُعطَى التاريخي الذي ذكره الغنوشي، صحيح، وهو أنّ من صُلب هذا
النّبع، أعني من نبع النجم المضيئ، ابن تيمية، استقت الأجيال اللاحقة من
المصلحين «شرعية الجهاد والاجتهاد … وصولا إلى الإخوان المسلمين وبقيّة
الجماعات الإسلامية»، بما فيها الاتجاه الإسلامي الذي أسسه راشد الغنوشي في
السبعينات، ثم أصبح الآن "حزب النهضة". المهمّ هو أن هناك خيطا واصلا يجمع
بين التيميّة والوهابيّة، ومنهما نتج تصور لاهوتي فاسد للسياسة والحكم،
كان سببا في مآسي كبيرة وخراب مُريع. هذا الخراب يصفه الغنوشي بأنه نهضة،
تُوازي النهضة التي قامت في البلدان الأوروبية، وهي ما حاوله «رجال الاصلاح
الاسلامي منذ الانبعاث من الأعماق على يد العلامة المجاهد محمد بن عبد
الوهاب، وما تولّد من حركته من تيارات إحيائية جهادية واجتهادية في الهند
وباكستان (الدهلوي) و (المودودي)، وفي مصر (الأفغاني وعبده ورشيد رضا
والبنا)، وفي السودان الحركة المهدية، وفي شمال إفريقيا الحركة السنوسية،
وحركة جمعية العلماء(12)».
ولكن في هذه السلسلة الرّتيبة بَقيت حلقة مفقودة، وهذه الحلقة التي
يتغبّن الغنوشي على عدم انضمامها إلى جحافل الوهابية، هي تونس. كيف يمكن
لعلماء هذا البلد الصغير أن يرفضوا النور الآتي من الشرق؟ كيف تسنّى لهم
الإنشقاق على النهج الصحيح ورفضه بتعنّت؟ لم يكتفوا بذلك بل إنهم تصدّوا
لدعوة بن عبد الوهاب بالنقد والدحض وقارعوه بالأدلة الشرعية والبيّنات
العقلية وفنّدوه، وكفّروه حتى.
للإجابة عن هذه الأسئلة، وجد الغنوشي تهمة جاهزة، وهذه التهمة تَستنسِخ
بلا تحوير تلك التي ألقاها ابن تيمية ومن بعده محمد بن عبد الوهاب على
مخالفيه، أي التمذهب الفقهي، والتصوّف، والأشعرية (نَسِي ذكر التشيّع).
السبب في عدم قبول التونسيين للوهابية، حسب الغنوشي إذن، هو «غلبةُ التقليد
المذهبي، والتربية الصوفية، والعقائد الأشعرية، المتحالفة مع السلطة(13)».
إذا كان الأمر على هذه الشاكلة فلا عجب يقول الغنوشي «أن تُلاقي رسالة
محمد بن عبد الوهاب إلى باي تونس من الردّ المُقذع ما لم تجد مثله رسالته
إلى ملك المغرب، حيث لاقت كل ترحيب وكان تفاعل العلماء معها مهمّا … وقريبا
من ذلك كان الأمر في الجزائر حيث مَثّلت جمعية العلماء الأساس الفكري
والثقافي للثورة الجزائرية(14)». إلاّ تونس إذن شذّت عن القاعدة، ولم تُذعن
لسطوة الوهابية وجهلها وإرهابها، بل كسرت شوكتها ومرّغتها في التراب.
وبالنسبة لأي إسلامي حديث فإن هذا الجحود هو أمر غير مقبول، ناشز وخطير،
ومدعاة للأسف الشديد. ليس هذا فقط بل الأدهى من ذلك أن جامع الزيتونة، الذي
أنّب الغنوشي من أجله الرئيس بورقيبة، لأنه سحب منه مهمّة التعليم،
وأوكلها إلى الدولة، أقول الأمر الناشز، بل الملفت للنظر، حسب عبارات
الغنوشي، هو «رفض جامع الزيتونة باعتباره أهمّ مرتكز للفكر الديني، التيار
السلفي المشرقي للإصلاح(15)». لم تتمكّن منهم الوهابية الواردة من الشرق
(من صحاري نجد والحجاز) وظلّ «التيار الزيتوني بعيدا عن مرمى الفكر السلفي،
مناهضا له، معتصما بتراثه الأشعري المجانب في أصوله للعقلانية
السلفية(16)».
ونحن من جهتنا، وبعد استقصاء ما بعدي للتاريخ، نَعتبر ردود علماء تونس
ومناهضتهم للوهابية أمرا محمودا، ومستبقا لعصره، لأنهم حفظوا تونس من
الفتنة وحَمَوها من التعصّب السلفي المَسعور، ووَقوها شرّ التطاحن والتكفير
والتجهيل والإنغلاق والإرهاب وسفك الدماء، يعني وَقَوْها من كل أسباب فناء
التمدّن والحضارة. ونُعلِنها عالية أن الوهابية هي دمار الدين والدنيا، هي
الطاعون الذي دمّر العالم الإسلامي من محيطه إلى خليجه وفتَك بالنفوس
والأجساد. إنها العدوّ اللدود للإسلام ولحضارته العظيمة التي أنتجت جنبا
إلى جنب فلاسفة وأدباء وشعراء ومتصوفة ومعتزلة وزنادقة وملحدين.
وأعتقد جازما أن المعارضة التي أبداها علماء الزيتونة هي حقا مفخرة
لتونس، سجّلها التاريخ لأولئك الرجال الذين كانوا السبّاقين في التصدّي
لذاك الطاعون القاتل، والذي لم يتفطّن له الأزهر إلاّ في السنين الأخيرة،
بعد أن اكتسحت الوهابية جسم المجتمع المصري، وحوّلت بلد العروبة والتصدي،
إلى مَحميّة وهابية، يُكفَّر فيها العلماء، تُحرق فيها الكنائس، تُجَزّ
الرؤوس، تُصدَر الفتاوى الأكثر تطرّفا وسخافة وبؤسا. تونس هي البلد العربي
الوحيد، في خضمّ المدّ الهائل للوهابية، الذي استطاع أن يصمد أمام السيل
الجارف للوهابية السلفية ويحمي نفسه منها، واستمرّ ذاك التصدي حتى بعد
الاستقلال وبناء الدولة الدستورية الحديثة مع بورقيبة، الذي يكرهه الغنوشي
أشد الكره ولا يتوانى من تكفيره جهارا (قال في مقابلة بُثت في قناة الجزيرة
(وَكر العالمية الإسلاموية): إن بورقيبة ملحد)، واتّهمه أيضا بأنه صهيوني،
في الوقت الذي عاثت فيه الوهابية فسادا شرقا وغربا وفي أيّ مكان حلّت به
في العالم.
إن الوهابية هي المعين الوحيد الذي تنهل منه الحركات الإسلامية الحديثة
إيدولوجيتها، ذلك أن مؤسس تلك الحركة حسب المؤرخين، الرديسي و نويرة، هو
«أوّل مَن دشّن ازدواجية الخطاب السلفي الراديكالي الحديث. وأول من فتح
مجددا باب حلّ دماء المسلمين وسبي نسائهم ونهب أموالهم. وهو أوّل من طرح
مقولة التخلّص من الطاغوت.. وأول من لبس ثوب الفرقة الناجية أو الطائفة
المنصورة في زمن يكون فيه الإسلام غريبا بين أهله(17)».
وفي هذا الإطار يجب تذكير القارئ العربي بملابسات القضية، وكيف كان ردّ
علماء تونس على رسالة الوهابي التكفيرية التي مغزاها الأوحد هو هذا: أسلم
تسلم. المؤرخ التونسي، ابن أبي الضياف، حفظ لنا وثائق هامة في هذا الشأن،
وخصوصا الرسالة التي بعث بها ابن عبد الوهاب إلى الحاكم التونسي للتعريف
بنفسه ولهداية المسلمين لطريقته، بالإضافة إلى ردود شيوخ تونس وعلمائها على
تلك الرسالة، بتكليف من الباي حمودة باشا.
يقول ابن أبي الضياف حاكيا ما حدث: « وفي الرابع والعشرين من جمادى
الثانية، تسع وعشرين ومائتين وألف (الإثنين 13 جوان 1814 م)، وَرَد البشير
من الدولة العلية العثمانية، بأخذ الحرمين الشريفين من يد الوهابي، وأعلنت
مَدافع الحاضرة سُرورا بذلك. ولا بأس أن نلمّ بخبر هذا الوهابي: وهو أن
رجلا يُقال له محمّد بن عبد الوهاب، من تلاميذ الشيخ ابن تيمية الحنبلي،
مَنَع زيارة القبور، حتى قبور الأنبياء، ومَنَع التوسّل بهم إلى الله
تعالى، والبناء على قبورهم وصرّح بكفر مَن يفعل ذلك وسمّاه مشركا، زاعما أن
الزيارة والتوسّل عبادة، وهي لا تكون إلاّ لله تعالى. وترامت بهذا الرجل
الأسفار إلى أن استقرّ بالدرعية من أرض نجد، فصادف بها آذانا واعية، وقلوبا
من العلم خاوية، وألقى لكبيرهم سعود هذا المذهب، واستدلّ له بظواهر آيات
وأحاديث اغترّ بها عامّتهم حتى استباحوا قتال المسلمين. ولم يزل هذا المذهب
ينمو إلى أن أفضى الأمر لسعود ابن عبد العزيز بن سعود، القائم الأوّل،
فعظم الأمر في زمنه، ونصّب حربا للمسلمين عموما، ولأهل الحجاز خصوصا،
وصدّهم عن بيت الله الحرام، وزيارة قبر سيّد الأنام، وعاث في أهل الحجاز،
وأطلق يد القتل والنهب فيهم. واستحكم هذا المذهب في قلوب أتباعه،
والتَحَموا به التِحَام النسب. واشتدّت عصبتهم وقويت، فطلبوا غايتها وهي
الملك والسلطان. وأقاموا دعاة يدعون الناس إلى مذهبهم، مع رسائل وجّهوها
لآفاق المسلمين، فوصلت منها رسالة إلى القطر التونسي هذا نصّها:
"بسم الله الرحمان الرّحيم، نستعينه ونستغفره ونعوذ به من شرّ أنفسنا
ومن سيئات أعمالها، من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد
أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله. من يطع
الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد غوى، ولا يضرّ إلاّ نفسه ولا
يضرّ الله شيئا. أمّا بعد، فقد قال الله تعالى : ﴿ قل هذه سبيلي أدعو إلى
الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين﴾. وقال
الله تعالى : ﴿ قل إن كنتم تحبّون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم
ذنوبكم﴾. وقال الله تعالى : ﴿ وما آتاكم الرّسول فخذوه وما نهاكم عنه
فانتهوه﴾. وقال الله تعالى : ﴿ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي
ورضيت لكم الإسلام دينا﴾. فأخبر سبحانه أنه أكمل الدين وأتمّه على لسان
رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وأمرنا بلزوم ما أتى به إلينا من ربّنا، وتَرك
البدع والتفرّق والإختلاف… والرسول قد أخبر بأن أمّته آخذة ما أخذته الأمم
قبلها شبرا فشبرا وذراعا فذراعا. وأخبر في الحديث أن أمته ستفترق إلى
ثلاثا وسبعين فرقة، كلّها في النار إلاّ واحدة، قالوا: " من هي يا رسول
الله؟ " قال : " من كان مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي". وإذا عرفت هذا
فمعلوم ما عمّت به البلوى من حوادث الأمور التي أعظمها الإشراك بالله،
والتوجه إلى الموتى، وسؤالهم النصر على العدى، وقضاء الحاجات، وتفريج
الكربات التي لا يقدر عليها إلاّ ربّ الأرض والسماوات؛ وكذلك التقرّب إليهم
بالنذور، وذبح القربات، والاستعانة بهم في كشف الشدائد وجلب الفوائد، إلى
غير ذلك من أنواع العبادة التي لا تصلح إلاّ لله تعالى…(18)».
كما يترائى من العرض الذي قدمه المؤرخ التونسي، ومن نص الرسالة، فإن
الوهابيين، اختَلَقوا تعلّة أصبحت محور همومهم ومدار اشكالاتهم كلها، ألا
وهي شرك العامة وذلك باعتقادهم في الأولياء، أو بزيارتهم القبور وطلب
الشفاعة من الرسول. لكن الأمر ظاهر للعيان عند كل من أعمل حسّه النقدي كما
المؤرخ التونسي ابن أبي الضياف، الذي رأى أن الغاية من تلك الفتنة التي
أحدثوها وأعمال التقتيل والتخريب التي قاموا بها هي « المُلك والسلطان».
لقد شاعت هذه الرسالة في القطر التونسي، فبعث بها الباي حمودة باشا
(1782 ـ 1814 ) إلى علماء عصره طالبا منهم توضيح الحق للناس. وقد كتب
العلاّمة أبو الفداء اسماعيل التميمي، كتابا نقض فيه ادعاءات الوهابي، سماه
"المنح الإلهية في طمس الضلالة الوهابية"، وأجاب عنها أيضا العلامة أبو
حفص عمر بن قاسم المحجوب، ابن مفتي القطر التونسي (أبو الفضل قاسم
المحجوب)، في رسالة أوردها ابن أبي الضياف هذا نصّها: « أما بَعد هذه
الفاتحة التي طَلعتْ في سماء المُفاتحة، فإنك راسلتنا تزعم أنك القائم
بنُصرة الدين، وأنك تدعو على بصيرة لِمَا دعا إليه سيد الأولين والآخرين،
وتحثّ على الإقتفاء والإتباع، وتنهى عن الفرقة والإبتداع، وأشرت في كتابك
عن الفرقة واختلاف العباد، فأصبحت كما قال الله تعالى: ﴿ ومِن الناس مَن
يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألدّ الخصام
وإذا تولّى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لايحب
الفساد﴾.
وقد زعمتَ أن الناس قد ابتدعوا في الإسلام أمورا، وأشركوا بالله من
الأموات جمهورا، في تَوسّلهم بمشاهد الأولياء عند الأزمات، وتَشفّعهم بهم
في قضاء الحاجات، ونذر النذور إليهم والقربات، وغير ذلك من أنواع العبادات،
وإن ذلك إشراك برب الأرضين والسماوات، وكُفر قد استحللتم به القتال
وانتهاك الحرمات(19)».
هذه كلّها مزاعم وتعلاّت واهية لا تُقنع العالم المتمرّس بالدين،
والإجابة جاءت قاسية بقدر القساوة التي تضمنتها رسالة الوهابي. «ولَعمر
الله إنك قد ضللتَ وأضللتَ، وركبت مراكب الطغيان بما استحللت، وشنعت
وهوّلت، وعلى تكفير السلف والخلف عوّلت». العلامة التونسي يرد على الوهابي
طبقا لنصوص القرآن والسنة ويقول: « وها نحن نحاكمك إلى كتاب الله المحكم،
وإلى السنن الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلّم».
الاعتراض المبدئي هو أنه حتى وإن كانت النّية صادقة والغاية عامة
النّفع، فالكُلفة الدموية باهضة جدّا ولا تستسيغ ذلك على الإطلاق. لكن
النية في حقيقة الأمر غير صادقة والهدف مشكوك في عموم منفعته ولذلك فإن تلك
الهجمة على المسلمين إجرامية في حد ذاتها، ومَن قام بها فهو خارج عن
الملة. العلامة التونسي يُدير التهمة على الوهابي، ويُدين أعماله الحربية
ضد المسلمين معتبرا إياها وبالا أكثر منها منفعة، لأنها بدّدت قوتهم وفرّقت
شملهم وأدامت الفرقة والضغينة بينهم: « أمّا ما أقدمت عليه من قتال أهل
الإسلام، وإخافة أهل البلد الحرام، والتسلّط على المعتصمين بكلمتي الشهادة،
وأدمتم اضرام الحرب بين المسلمين وإيقاده، فقد اشتريتم في ذلك حطام الدنيا
بالآخرة، ووقعتم بذلك في الكبائر المتكاثرة، وفرّقتم كلمة المسلمين،
وخلعتم من أعناقكم ربقة الطاعة والدّين […] وحيث كنتَ لكتاب الله معتمدا،
ولعماد سنته مستندا، فكيف بعد هذا ـ ويحك ـ تستحلّ دماء أقوام بهذه الكلمة
ناطقون، وبرسالة النبيّ صلى الله عليه وسلم مصدّقون، ولدعائم الإسلام
يُقيمون ولحوزة الإسلام يحمون، ولعَبَدة الأصنام يُقاتلون، وعلى التوحيد
يُناضلون؟ كيف قذفتم أنفسكم في مهواة الإلحاد، ووقعتم في شق العصا والسعي
في الأرض بالفساد؟».
المؤرخون الذين رووا الأحداث أجمعوا على أن الوهابية فعلا أبدت عنفا ضد
المسلمين لا نظير له. يكفي الإطلاع على مؤرخي الوهابية أنفسهم حتى نتيقّن
من حجم الدمار الذي خلفه الوهابيون والجثث التي نثروها على طريقهم. فقد كتب
عثمان بن بشر النجدي في كتابه "عنوان المجد في تاريخ نجد" عن مذبحة
كربلاء: «وفيها سار سعود (سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود) بالجيوش
المنصورة والخيل العتاق المشهورة من جميع حاضر نجد وباديها .. وقصَد أرض
كربلاء، وذلك في ذي القعدة. فحشد عليها المسلمون وتسوّروا جدرانها ودخلوها
عنوة». ماذا فعلوا؟ قتلوا ونهبوا وأحرقوا: «قتلوا غالب أهلها في الأسواق
والبيوت، وهدموا القبّة الموضوعة بزعم من اعتقد فيها على قبر الحسين،
وأخذوا ما في القبّة وما حولها وأخذوا النصبة التي وضعوها على القبر وكانت
مرصوفة بالزمرد والياقوت والجواهر، وأخذوا جميع ما وجدوا في البلد من أنواع
الأموال والسلاح واللباس والفرش والذهب والفضة والمصاحف الثمينة، وغير ذلك
مما يعجز عنه الحصر(20)». إنها مجزرة ولصوصية بأتم معنى الكلمة، ولم
تأخذهم ندامة أو التوبة على الدمار الذي أحدثوه والإبادة الجماعية التي
اقترفوها في حق أناس عزل، بل إن هذا المؤرخ في رده على الانتقادات لما فعله
الوهابيون بأهل كربلاء قال مفتخرا: «وقولك أننا أخذنا كربلاء وذبحنا أهلها
فالحمد لله رب العالمين، ولا نعتذر عن ذلك. ونقول: وللكافرين أمثالها».
الرحالة الفرنسي لويس دو كورانسي الذي عاش تلك الفترة كتب هو أيضا عن
الوهابيين وقال إنهم متيقنون من أن عملهم يُرضي الله، وهذا «يدفعهم للتشوّق
إلى الدماء(21)». والنتيجة هي أنه في غزوتهم لمقام الحسين (20 نيسان 1802)
لم يُعفَ عن «الرجال ولا عن النساء والأطفال، ولم يَنج منهم إلاّ مَن
استطاع تفادي النقمة بالهرب. وبعد أن توقّفت المجزرة، فكّر البعض في
الاستيلاء على الكنوز الضخمة التي ساقها إلى المكان … وظنّ البعض الآخر أن
قبّة المسجد مُغطّاة بصفائح الذهب، فأخذوا ينتزعونها حتى تبيّن لهم أنها
صفائح من النحاس مَطليّة بالذهب، فتركوا ما تبقّى منها(22)». إن من يتصفّح
تاريخ الوهابية يصيبه الذهول من كثرة القتال «والسبي والذبح والتشنيع
والنهب واقتسام الغنائم»، ليس لهم ميثاق ولا قانون يُسيّر حتى حروبهم «فهم،
حسب الحالات، يحرقون الزرع وينهبون الثمار ويهدمون البيوت أو يخلونها من
أهلها ويقتلون المحاربين ويقطعون أرجلهم أو رؤوسهم(23)»
إن التكفير الذي قذف به الوهابي المسلمين هو مجرد تأويل تعسفي، لا يصمد
أمام صريح النصوص، وخصوصا لا يُبرّر أي أعمال عنف ضد من يطلب الشفاعة من
الرسول أو يتبرّك بالأولياء الصالحين. وبعد، فلا أحد من المسلمين ألّه
إنسانا، أو تعبّد لوليّ، ولا أحد منهم أقام معبدا خصيصا لعبادة شخص
وتقديسه. والدليل على ذلك أنه حتى إذا افترضنا جدلا حدوث شيء من هذا القبيل
في دولة إسلامية، فإن وُلاة الأمر سيتصدّون له في لمح البصر وسيقضون على
تلك البدعة الوثنية. وهذا مغزى اعتراض الشيخ التونسي: « وأما ما تأوّلته
عليهم من تكفيرهم بزيارة الأولياء الصالحين، وجعلهم وسائط بينهم وبين ربّ
العالمين، وزعمت أن ذلك شنشنة الجاهلين، فنقول لكم في جوابه: معاذ الله أن
يعبد مسلم تلك المشاهد، وأن يأتي إليها مُعظّما تعظيم العابد، وأن يخضع
إليها خضوع الجاهلية للأصنام، وأن يعبدها بسجود أو ركوع أو صيام، ولو وقع
ذلك من جاهل لأنتهض إليه ولاة الأمر والعظماء، وأنكره العارفون والعلماء،
وأوضحوا للجاهل المنهج القويم، وهدوه السراط المستقيم».
ثم إنه من وجهة نظر إسلامية، التبرك بالمخلوق ليس هو من المحظورات
المطلقة، فكثيرا ما نجد في التراث الإسلامي حالات من هذا القبيل، ولا أحد
نَهَرَ من يفعلها أو أنكر عليه، أو حتى قاتله. العلامة التونسي يحاجج
الوهابي بالنصوص ويقول: « وأما ما جنَحتَ إليه، وعوّلتَ في التكفير عليه،
مِن التوجّه إلى المَوتى وسؤالهم النصر على العِدى، وقضاء الحاجات، وتفريج
الكربات، التي لا يَقدر عليها إلاّ رب الأراضين والسماوات، إلى آخر ما
ذكرتُم، مُوقِدا به نيران الفرقة والشّتات، فقد أخطأتَ فيه خطأ مُبينا،
وابتغيتَ فيه غير الإسلام دينا. فإن التوسّل بالمخلوق مشروع، ووارد في
السنّة القَويمة، ليس بمحضور ولا مَمنوع، ومَشارع الحديث الشريف بذلك
مُفعَمة، وأدلّة كثيرة مُحكَمة … ويكفي منها توسّل الصحابة والتابعين، في
خلافة عمر ابن الخطّاب أمير المؤمنين، واستسقاؤهم عام الرّمادة بالعبّاس،
واستدفاعهم به الجدب والباس […]. فاخبرني ـ يا أخا العرب ـ هل تُكفّر، بهذا
التوسّل، عمر بن الخطّاب أمير المؤمنين، وتكفر معه سائر من حضر من الصحابة
والتابعين، لكونهم جعلوا بينهم وبين الله واسطة من الناس، وتشفّعوا إليه
بالعبّاس، وهل أشركوا بهذا الصّنِيع مع الله غيره. كلاّ والله، وأقسم بالله
وتالله، بل مُكفرهم هو الكافر، والحائد عن سبيلهم هو المنافق الفاجر […]».
ويواصل الفقيه التونسي مفكّكا مزاعم الوهابي في أدق دقائقها وفي أكثر
معانيها التي استهوت العديد من "المفكرين" المحدثين، وأعني بالتحديد اتهامه
كل من يَزور الأولياء بأنه كافر. الفقيه التونسي يردّ شبهات الوهابي
قائلا: « فالزائر للأولياء والصالحين إمّا أن يدعو الله لحاجته، ويَتوسّل
بسرّ ذلك الولي في إنجاح بُغيته، كفعل عمر في الاستسقاء، أو يستمدّ من
المَزُور الشفاعةَ له وامدادَه بالدّعاء، كما في حديث أويس القرني. إذ
الأولياء والعلماء كالشهداء، أحياء في قبورهم، إنما انتقلوا من دار الفناء
إلى دار البقاء. فأي حَرج بعد هذا يا أيها القائم للدين، في زيارة الأولياء
والصالحين؟ وأي منكر تقوم بتغييره، وتقتحم شق العصا وإضرام سعيره؟ ولعلّك
من المبتدعة الذين ينكرون أنواعا كثيرة من الشفاعة ولا يثبتونها إلاّ لأهل
الطاعة، كما أنه يلوح من كتابك انكار كرامات الأولياء، وعدم نفع الدّعاء
وكلّها عقائد عن السنة زائغة وعن الطريق المستقيم رائغة. وقولكم أن ما
قلتموه لا يخالف فيه أحد من المسلمين، افتراء ومين، وإلحاد في الدين، لأن
أهل السنة والجماعة يثبتون لغير الأنبياء الشفاعة، كالعلماء والصلحاء وآحاد
المؤمنين […]. وأما ما جنحت من هدم ما بُني على مشاهد الأولياء من القباب،
من غير تفرقة بين العامر والخراب، فهي الداهية الدهياء والعظيمة العظمى من
الظلم، التي أضلّك الله فيها على علم… كأنك سمعتَ في بعض المحاضر، بعض
الأحاديث الناهية عن البناء على المقابر، فتلقّته مُجملا من غير بيان،
وأخذته جزافا من غير مكيال ولا ميزان، وجعلتَ ذلك وَليجَة إلى ما تقلّدتَه
من العسف والطغيان، في هدم ما على قبور الأولياء والعلماء من البنيان(24)».
يقول العلامة التونسي بأن ابن عبد الوهاب جاهل بالدين وحتى بأصول
الشريعة، كان عليه أن يسأل مَن بالدين خبيرا قبل أن يُقدم على أفعاله تلك: «
ولو فاوضت الأيمة، واستهديتَ هُداة الأمة، الذين خاضوا من الشريعة
لُجَجَها، واقتحموا ثَبَجَها، وركبو تيارها، لأخبروك أن محلّ ذلك الزجر،
ومطلع ذلك الفجر في البناء في مقابر المسلمين، المعدّة لدفن عامّتهم، لا
على التعيين، لما فيه من التحجير على بقية المستحقّين، ونبش عظام المسلمين.
وأما ما يَبنيه المسلمون أو الكفار في أملاكهم المملوكة لهم، ليَصِلوا بمن
يُدفَن هناك حبلَهم، فلا حرج يَلحقهم، ولا حرمة تُرهقهم. فكما لا تحجير
عليهم في بناء أملاكهم دُورا أو حوانيت أو مساجد، كذلك لا حرج عليهم في
جعلها قبابا أو مقامات أو مشاهد(25)».
الشيخ المحجوب، مرة أخرى، يُلقنه درسا في الفقه، وفي أصول التشريع،
ويحاججه بالعقل والنقل. يقول بأن هناك اختلافات بين الفقهاء في حكم من شيّد
منزلا مخالفا للقانون، هل يحق هدمه بعد حصول التشييد أم لا: « ثم ليتك إذ
تلقّفتَ ذلك منهم، ووعيته عنهم، أن تُعيد عليهم السؤال، وتشرح لهم نازلة
الحال، وهل يجوز بعد النزول والوقوع، هدم ما بُني على الوجه الممنوع، وهل
هذا التخريب محظور أو ممنوع. فإذا أجابوك أنه من مَعارك الأنظار، ومحلّ
اختلاف العلماء والنّظار، وأن منهم من يقول بإبقائه على حاله، رعيا للحائز
في اتلاف ماله، وأن له شبهة في الجملة تحميه، وفي ذلك البناء منفعة للزائر
تَقِيه. ومنهم من شدّد النكير، وأبى إلاّ الهدم والتغيير. فإذا انفتحت لك
هذه الأبواب، نظرتَ بنظر آخر ليس فيه ارتياب، وهو أن المنكَر الذي اقتضى
نظرُك تغييرَه، ليس مُتفقا عليه عند أهل البصيرة، وأنه من مدارك الإجتهاد،
وقد سقط عنك القيام فيه والإنتقاد(26)».
كان على الوهابي، قبل أن يُقدِم على تدمير معالم الأولياء وقبورهم، أن
يستشير العلماء وأن يأخذ بعين الاعتبار اختلافاتهم وأن يرجّح الرأي السليم
كي يقي المسلمين من سفك الدماء. العالم التونسي يطلب منه الحصافة، والتريث
وإعادة النظر في الخيارات كي لا يتسبب هذا الرجل « في إيقاد نار الحرب، بين
أهل الإسلام، واستباحة المسجد الحرام، وإخافة أهل الحرمين الشريفين،
والاستهوان لاصابة لعنة الله والملائكة والناس أجمعين». حينها وحينها فقط،
يقول له العلامة « سيتّضح لك أنك غيّرتَ المُنكَر في زعمك، وبحسب اعتقادك
وفهمِك، وأتيتَ بجُملٍ كثيرة من المنكر، وطائفة عديدة من الكبائر، آذيتَ
بها نفسك والمسلمين، وابتغيتَ بها غير سبيل المؤمنين، وتعرّضتَ بها لاذاية
الأولياء والصالحين(27)».
وبخصوص هجمته على الديانة الشعبية والتي جعل منها حصان طروادة هو
وأتباعه الحاليين، أعني زيارة القبور، يقول الشيخ التونسي: « وأما إنكار
زيارة القبور، فأي حرج فيها أو محظور، وأي ذميمة تطرقها أو تعروها، مع ثبوت
حديث " كنتُ قد نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزروها". فإن هذا الحديث ناسخ
لما ورد من النهي عن زيارتها، وماحٍ لما في أول الإسلام من حماية الأمة من
أسباب ضلالتها، لقرب عهدها بجاهليتها، وعبادة أصنامها وآلهتها. وكيف تمنع
من زيارتها، والنبي صلى الله عليه وسلم قد شرعها، وسام رياضَها وأرْبُعَها …
وأخذ بذلك الصحابة والتابعون، ودرج عليه العلماء والسلف والماضون … أفتجعل
هؤلاء أيضا مُبتدعين، وأنّهم سكتوا عن الابتداع في الدين؟ كلاّ والله، بل
يجب علينا اتّباعهم، ومن أدلّة الشريعة إجماعُهم(28)».
ثم يسأله، مستنكرا عليه أعماله جملة وتفصيلا، ورادّا عليه ادعاءاته: «
فقل لي ـ يا أخا العرب ـ هل قُمتَ لنصرة الدين أم لنقض عراه، وهل أنت مصدّق
بالوحي لنبيّه أم قائل : إن هو إلاّ إفكٌ افتراه؟ […] فأين تذهب بعد هذا
يا هذا؟ وهل تجد لنفسك مدخلا أو معاذا؟ وهل أبقيت بعد تضليل جميع الأنبياء
ملاذا؟ ﴿ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت
الوهاب﴾(29)».
العلاّمة التونسي يحاسبه على أعماله التخريبية الظاهرة، بينما الوهابي
يحاسب الناس على نواياهم الخفية ولذلك فهو يردّ عليه قائلا: « وإذا اتّضح
لديك الحال، فأي داعية للحرب والقتال؟ وهل يتميّز المشروع من هذه الصور
بالمحظور، إلاّ بالنيّات التي لا يعلمها إلا العالم بما في الصدور؟ والله
إنما كلّفنا بالظاهر، ووكل إليه أمر السرائر. ولم يقيّض بالخواطر نقيبا،
ولا جعل مُهيمنا من الولاة ولا رقيبا». إن محكمة التفتيش التي أقامتها
الوهابية هي في أعين الفقيه التونسي ليست إلاّ نقضا لسائر دعائم الإسلام
والتباسا لأهل الكفر بأهل الإيمان وهذا الخلط أفضى به إلى نتيجة حتمية، أي «
إلى هدم جميع الأركان، واستبيحت دماء جميع المسلمين، وهدمت صلواتهم
ومساجدهم وصوامعهم أجمعين(30)».
أما إزاء تهديداته الواردة في الرسالة واتهامه لكل من لم يتّبع منهاجه
بالكفر فإن العلامة التونسي يرد الصاع صاعين وبلهجة مناسبة لتهديدات خصمه: «
وأما ما نزعتم إليه من التهديد، وقَرَعتُم فيه بآيات الحديد، وذكرتُم "أن
من لم يُجب بالحجّة والبيان، دعوناه بالسيف والسّنان" فاعلم يا هذا أننا
لسنا ممن يعبد الله على حرف، ولا ممّن يفرّ عن نصرة دينه من الزحف، ولا ممن
يظن بربّه الظنون … وما بنا من وهنٍ ولا فشلٍ، ولا ضعف في النكاية ولا
كسل، ننتصر للدين ونحمي حماه، وما النصر إلا بالله(31)».
وبخصوص ادعاءات الوهابيين من أنهم على طريق الحق وأنهم الورثة الشرعيين
لراية الإسلام والمنتصبين لنصرة الدين، فإن العلامة التونسي يكذبّ مزاعمهم
جملة وتفصيلا: « كلاّ وحاشا أن يكون لكم في هذه المناقب من نصيب، أو يَصير
لكم إرثها بفرضٍ أو تعصيب، فإن هذا الحديث وإن كان واردا صحيحا، إلاّ أنكم
لم تُوفّوا طريقه تنقيحا، فإن في بعض رواياته "وهم بالمغرب"، وهي تحجبكم عن
هذه المناقب، وتُبعدكم عنها بُعد المشارق من المغارب(32)». ثم يختم
العلامة التونسي مشيدا بقيم التسامح المعهودة في التراب التونسي: « أما أهل
هذه الأصقاع، والذين بأيديهم مقاليد هذه البقاع، فهم أجدر أن يكونوا من
إخواننا، وتمتدّ أيديهم إلى خِوانِها، لصحّة عقائدهم السنّية، واتباعم
سبيلَ الشريعة المحمدية، ونبذهم للابتداع في الدين، وانقيادهم للاجماع
وسبيل المؤمنين(33)».
هذا مقتطف مطوّل من الرسالة التي ردّ بها العلامة أبو حفص عمر بن قاسم
المحجوب على الدعوة الوهابية، خاتما إياها بنقد لاذع لأعمال العنف والقتل
التي تسبَّبت فيها تلك الفرقة المغالية. وأظنّ أنها أروع وثيقة من حيث
الأسلوب والمضمون التي لم تُكتب ضدّ الوهابية في أي عصر.
لكن المحجوب وعلماء الزيتونة عموما ما كانوا يدرون أن الوهابية، التي
حاربوها وذادوا بأقلامهم على حمى بلدهم ووقوا أهله من فتنتها، ستعود، بفضل
الأموال الطائلة، في لبوس جديدة (الإسلام السياسي)، وستنقضّ عليه كما
انقضّت على مصر، البلد الذي كان قد قضى عليها ظرفيا بالسلاح، ومنها ستجتاح
العالم العربي الاسلامي بأسره؛ ستُمسَح عليها أدران التاريخ وستُقدِّم
نفسها للإمبريالية العالمية كدرع ضد المدّ السوفياتي، وكحَليف ثمين ولا غنى
عنه لمنع الفكر الشيوعي من أن يتغلغل ويترسّخ في المجتمعات العربية.
النتيجة هي أن مصر أصبحت رهينة في أيدي الوهابيين المَحلّيّين (الإخوان
المسلمين)، بل غدت مُصدّرة هي بدورها للوهابية في داخل العالم العربي
وخارجه؛ السودان دُمّر تدميرا؛ باكستان منذ السبعينات افتُكّت وهي الآن تحت
رحمتهم؛ أفغانستان مُحِيَت من خريطة الأمم المتحضّرة من يوم أن وطأتها
الوهابية وطبّقت فيها شريعة الغاب؛ الصومال في طور الإمّحاء؛ والقائمة
طويلة، لكن أكثر الحالات مأساوية هي حالة الجزائر: بلد عريق ومُتحضّر نال
استقلاله بدماء شهدائه، حاول بكل جهد الخروج من التخلّف والتبعيّة، لم يعرف
التعصّب الديني ولا التكفير، ولم تر نساءه الحجاب ولا النقاب، وإذا به
فجأة تنزل عليه طامّة الوهابية فحوّلت ذاك البلد الآمن إلى ساحة وغى يُكفّر
فيه المجتمع بأسره، تُسفك فيه الدماء وتُنتَهك الأعراض وتُذبّح الأطفال،
وتُسجن فيه النساء، وبالجملة حرب أهلية شرسة أودت بحياة مائة ألف جزائري من
الشباب والأطفال والنساء. والمتسبب الأوحد في كل هذا الخراب هو الهوس
الديني الآتي من الوهابية التكفيرية المعادية للبشر، وَوُكلاؤها الإسلاميون
في الوطن العربي
تردّد، هذه المحنة إلى طرف واحد: الوهابية. وحينما نذكر الوهابية فإن
الذهن يذهب بنا مباشرة إلى ابن تيمية، الفقيه الحنبلي المتشدّد الذي كفّر
أهل الأديان قاطبة، ومُعظم أهل القبلة.
الإسلاميون المحدثون يعتبرون ابن تيمية إطارهم المرجعي الذي يستوحون من
كتبه جميع ما يحتاجونه سواء من حيث الفتاوى أو المقوّمات الإيديولوجية
لبناء الدولة الإسلامية. رأي الغنوشي لا يخرج عن هذه الحلقة، وربما وجدنا
عنده تعصبا لهذا الرجل أكثر من اللازم. فهو يعتبر ابن تيمية نجما من النجوم
المُضيئة التي أرسلها الله «في ليل الأمة(1)»؛ إنه واحد من زعماء التجديد
الذهن يذهب بنا مباشرة إلى ابن تيمية، الفقيه الحنبلي المتشدّد الذي كفّر
أهل الأديان قاطبة، ومُعظم أهل القبلة.
الإسلاميون المحدثون يعتبرون ابن تيمية إطارهم المرجعي الذي يستوحون من
كتبه جميع ما يحتاجونه سواء من حيث الفتاوى أو المقوّمات الإيديولوجية
لبناء الدولة الإسلامية. رأي الغنوشي لا يخرج عن هذه الحلقة، وربما وجدنا
عنده تعصبا لهذا الرجل أكثر من اللازم. فهو يعتبر ابن تيمية نجما من النجوم
المُضيئة التي أرسلها الله «في ليل الأمة(1)»؛ إنه واحد من زعماء التجديد
الأحد أغسطس 28, 2011 4:20 am من طرف ماها
» عش في خطر وِشيّدْ منزلك في الربع الخالي!
الأحد أغسطس 28, 2011 4:19 am من طرف ماها
» عام الجراد...مذكرات جندي مقدسي في الحرب العظمى: نهاية "الوطن العثماني" والانقطاع عن الماضي
الأحد أغسطس 28, 2011 4:18 am من طرف ماها
» "العمل الجنسي" في المغرب والصحة العمومية
الأحد أغسطس 28, 2011 4:17 am من طرف ماها
» "العمل الجنسي في المغرب": تعريفا ووظائف
الأحد أغسطس 28, 2011 4:16 am من طرف ماها
» في الانتقال الجنسي
الأحد أغسطس 28, 2011 4:14 am من طرف ماها
» التربية الجنسية ضرورة عمومية
الأحد أغسطس 28, 2011 4:13 am من طرف ماها
» الجنس واليسار والإعلام
الأحد أغسطس 28, 2011 4:12 am من طرف ماها
» الوقاية أو الاجتهاد المغلق
الأحد أغسطس 28, 2011 4:11 am من طرف ماها