السبيــــــــل

للاطلاع على أسرار يرجى التسجيل شكرا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

السبيــــــــل

للاطلاع على أسرار يرجى التسجيل شكرا

السبيــــــــل

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
السبيــــــــل

السبيل مجلات متنوعة ثقافية ، سياسية ، علمية ..الاتقان والجودة واحترام الذوق العم ..

السبيل قلم من الالم // خرج من جحيم القمع .. يتفيأ الان بالحرية .. لامكان للمستبدين ولا للجبناء ولا للمتملقيين ولا لمثقفي اللحظة عبيد الخوف ..

المواضيع الأخيرة

» برلين: وجهان للشعر، وجهان للمعنى
فلسفة ضد فلسفة  مدخل لقراءة كتاب "من أجل حداثة متعددة الأصوات" للدكتور محمد المصباحي Icon_minitimeالأحد أغسطس 28, 2011 4:20 am من طرف ماها

» عش في خطر وِشيّدْ منزلك في الربع الخالي!
فلسفة ضد فلسفة  مدخل لقراءة كتاب "من أجل حداثة متعددة الأصوات" للدكتور محمد المصباحي Icon_minitimeالأحد أغسطس 28, 2011 4:19 am من طرف ماها

» عام الجراد...مذكرات جندي مقدسي في الحرب العظمى: نهاية "الوطن العثماني" والانقطاع عن الماضي
فلسفة ضد فلسفة  مدخل لقراءة كتاب "من أجل حداثة متعددة الأصوات" للدكتور محمد المصباحي Icon_minitimeالأحد أغسطس 28, 2011 4:18 am من طرف ماها

» "العمل الجنسي" في المغرب والصحة العمومية
فلسفة ضد فلسفة  مدخل لقراءة كتاب "من أجل حداثة متعددة الأصوات" للدكتور محمد المصباحي Icon_minitimeالأحد أغسطس 28, 2011 4:17 am من طرف ماها

» "العمل الجنسي في المغرب": تعريفا ووظائف
فلسفة ضد فلسفة  مدخل لقراءة كتاب "من أجل حداثة متعددة الأصوات" للدكتور محمد المصباحي Icon_minitimeالأحد أغسطس 28, 2011 4:16 am من طرف ماها

» في الانتقال الجنسي
فلسفة ضد فلسفة  مدخل لقراءة كتاب "من أجل حداثة متعددة الأصوات" للدكتور محمد المصباحي Icon_minitimeالأحد أغسطس 28, 2011 4:14 am من طرف ماها

» التربية الجنسية ضرورة عمومية
فلسفة ضد فلسفة  مدخل لقراءة كتاب "من أجل حداثة متعددة الأصوات" للدكتور محمد المصباحي Icon_minitimeالأحد أغسطس 28, 2011 4:13 am من طرف ماها

» الجنس واليسار والإعلام
فلسفة ضد فلسفة  مدخل لقراءة كتاب "من أجل حداثة متعددة الأصوات" للدكتور محمد المصباحي Icon_minitimeالأحد أغسطس 28, 2011 4:12 am من طرف ماها

» الوقاية أو الاجتهاد المغلق
فلسفة ضد فلسفة  مدخل لقراءة كتاب "من أجل حداثة متعددة الأصوات" للدكتور محمد المصباحي Icon_minitimeالأحد أغسطس 28, 2011 4:11 am من طرف ماها

تدفق ال RSS


Yahoo! 
MSN 
AOL 
Netvibes 
Bloglines 

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

لا يوجد مستخدم

أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع

لا يوجد مستخدم

سحابة الكلمات الدلالية


    فلسفة ضد فلسفة مدخل لقراءة كتاب "من أجل حداثة متعددة الأصوات" للدكتور محمد المصباحي

    avatar
    لمياء
    عضـــو جديــد
    عضـــو جديــد

    عدد المساهمات : 46
    نقاط : 124
    وسام السبيل : 0
    تاريخ التسجيل : 25/08/2011
    25082011

    فلسفة ضد فلسفة  مدخل لقراءة كتاب "من أجل حداثة متعددة الأصوات" للدكتور محمد المصباحي Empty فلسفة ضد فلسفة مدخل لقراءة كتاب "من أجل حداثة متعددة الأصوات" للدكتور محمد المصباحي

    مُساهمة من طرف لمياء



    فلسفة ضد فلسفة  مدخل لقراءة كتاب "من أجل حداثة متعددة الأصوات" للدكتور محمد المصباحي Arton9569-89939
    وفق أي رهان سنقرأ الكتاب:

    ليس القصد من هذا القول "اقتراف" قراءة خطية لكتاب ينصت لحداثة متعددة
    الأصوات، بقدر ما هو سعي بدئيّ لاستثمار بعض أطروحاته في مقاربة مشكلة
    "افتتان" المتفلسف العربي اليوم بما يسمّى بفلسفة ما بعد الحداثة، خصوصا
    وأنّ صاحب الكتاب، يعلن منذ عنوانه، فضلا عن مقدّمته، أنّ الحداثة في عالم
    عربي "يحركه الصراع بين الأكاذيب لا بين الحقّ والباطل" هي حاجة وضرورة،
    وأنّ ما بعد الحداثة هي امتداد للحداثة وليس انقلابا عنها، ومن ثمّة فمن
    الصعوبة إضفاء طابع المعقولية على اجتهادات بعض المثقفين العرب الذين
    ينتقدون ويفكّكون مقولات الحداثة وهم لم يتنعّموا بها بعد، فهم يسعون
    لتجاوز شيء لم يتحقق عندهم بعد، مثقفون عرب لم يحققوا بعد، ما يسميه
    الأقدمون بـ"الوجود الضروري" فنراهم يشرئبون "للوجود الأفضل".

    يصعب فعلا أن نفهم هذا الهوس الثقافي الجماعي بما بعد الحداثة عربيا، فمن
    الفلسفة والفكر مرورا بالفنون التعبيرية المختلفة، وصولا إلى التزيين
    واللباس والديكور المنزلي، فكلّ ذي صيحة في أوروبا المشبعة بالقيم الحديثة،
    يجد له شيعة بين ظهرانينا ونحن المشبعون في المقابل بقيم ما قبل الحداثة،
    يحملون صيحته على شاكلتهم، ويقولون في هذه الصيحة أو يتقوّلون على الأصح،
    ما لم يخطر ببال أصحابها، فنجد من يعتبر خربشاته بالخطوط والألوان "تجريدا
    أو سوريالية"، وفي الشعر أيضا نجد من يعتبر المفرقعات اللغوية والرجم
    بالكلمات على عواهنها " قصيدة نثرية أو أدونيسية"، الأمر نفسه في الرواية،
    إذ نجد كَتَبة لا يترددون في تبرير البذاءة والسوقية بكونها "رواية جديدة"،
    وهكذا دواليك في الأشكال التعبيرية الأخرى..فما نفعله هو تبرير الرداءة
    وتحميل القبح معاني الجمال، فالسياق الثقافي الذي أنتج فيه دافيد بريتون
    السوريالية هو نفسه السياق الثقافي الذي أنتج فيه ميكل أنجلو ودافنشي
    لوحاتهم الانطباعية.(1)

    في خضم هذه المفارقات نقرأ كتاب "من أجل حداثة متعددة الأصوات" للأستاذ
    محمد المصباحي، لأنه كتاب ينحاز في خضم هذا النقاش إلى موقف واضح يعلن عنه
    منذ البداية، وهو أنّ الحداثة بالنسبة لنا لا تزال مطمحا مشروعا، فالأستاذ
    المصباحي يعي جيدا تحولات الحداثة عند أهلها وفي سياقها، ويعي أيضا رسالتها
    الكونية وحجم الزلزال الذي أحدثته في البنيات التقليدية، غير أنه يحذر من
    خطورة أن يتم استدماج مفاهيم ما بعد الحداثة عندنا، ونحن المشبعون بقيم
    التقليد، لأنه "قد يشجع البعض على النكوص إلى ما قبلها، بما يترتب عن ذلك
    من عواقب وخيمة لا يستطيع العقل ولا الفعل ولا الإيمان تفاديها ولا التصدي
    لها"(2)، وبالتالي دخولنا في عدمية غير متسقة مع السياق العام للحداثة،
    وإنما هي "عدمية من النوع التراثي" التي لا تنتج عن "الإمعان في الحداثة أو
    الإفراط في الشفافية بل وليدة المغالاة في الغموض وتداخل موجات الحداثة مع
    موجات القدامة"2 ، وبالتالي لا مناص من تجذير الحداثة أولا لأنها الطريق
    الديمقراطي والعقلاني للإفلات من أزمة مجتمعية، تتعامل باختزال مع الحداثة.

    فالعامة بما في ذلك الأنظمة السياسية المتخلفة، تستهويها التقنية الحديثة
    ولكن تزعجها باقي قيم الحداثة، لنذكر مثلا على سبيل المثال والطرافة
    السوداء، أن أحدث التجهيزات التقنية من جميع الأنواع تتواجد في إمارات
    الخليج وفي نفس الوقت أن أسوء الأنظمة استهانة بالكرامة الإنسانية توجد
    هناك أيضا : "السكان البدون" مثلا، أما المثقفون فنجد أغلبهم تستهويهم
    مقولات ما بعد الحداثة رغم أنهم يعيشون في مجتمعات ما قبل حداثية، وهذه هي
    رسالة كتاب الدكتور المصباحي.

    أهمية الكتاب أيضا أن صاحبه يجسد نموذجا للمفكّر الحداثي المقتنع بأن
    الرهن التراثي للمجتمعات العربية ليس امتيازا لها، أو تكريما لمثواها، بل
    هو إمعان للعيش في شبح العالم وظلاله واستعاضة بظلام الكهف على معاينة
    الحقائق الساطعة تحت أنوار العقل، فالدكتور المصباحي خبير وعالم بالتراث،
    وهذا أمر يمكن للقارئ أن يقف عليه من خلال عشرات الأبحاث التي أجراها على
    كل نماذج الفكر الفلسفي الإسلامي، بدءا من النموذج البرهاني المشائي مع ابن
    رشد وابن باجة والفارابي، وصولا إلى النموذج العرفاني مع ابن عربي وابن
    سينا وعبد السلام بنمشيش، غير أنه ظل دوما محتفظا بقلق الحداثة حتى وهو
    "يدخل بين جلد وعظم هؤلاء الرجال"، بحسب ما اعترف له به الراحل عابد
    الجابري بمناسبة مناقشة لأطروحته للدكتوراه،(3)

    فالدكتور المصباحي منذ بداية كتاب "الأصوات المتعددة للحداثة"، يعلن
    وفاءه للوعد الذي قطعه على نفسه قبل صدور الكتاب، وهو وعد الانتهاء من
    البحث في التراث، وبذلك يخرس مختلف الأصوات التقليدانية التي تلصق بالمثقف
    الحداثي صفة الجهل بتراثه، فالمصباحي يعلن تبرمه من التراث بعد أن تملكه
    وفهم روحه، ويعلن بالمقابل "شكسبيرية" واضحة الدعوى تجاه الحداثة "إما أن
    نكون حداثيين أو لا نكون" وهذا جاء "ثمرة قراءة وحوار مفتوح مع أسرة فلسفية
    لم تعد تتكون كما جرت عادتي من أرسطو وابن رشد وابن باجة والفارابي وابن
    سينا وصدر الدين الشيرازي وابن عربي وجلال الدين الرومي…بل صارت تتكون من
    فلاسفة حداثيين أمثال هوبز وكانط وهيغل وهيدغر.." (4)

    نهاية الحداثة في سياق ثقافي لم يعشها بعد !!

    إن الكتاب ومن خلال إنصاته للأصوات المتعددة للحداثة، يجعلنا نسائل الحاجة
    لشرح وتلخيص وتفسير ووضع حواشي لنتشه وهايدغر وفوكو وبطاي وديريدا وغيرهم،
    إذا لم نفهم أن هؤلاء ينطلقون من حقيقة لا ترتفع وهي أن الحداثة تمكنت من
    واقعهم المعيش، سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا، ثم أن أزمة الحداثة هي
    خاصية ذاتية في الحداثة وليست خاصية عرضية، غير أن الفرق الموجود بين
    الحداثة وما قبلها، هو الوعي بالأزمة واستدماجها في صيرورة تضمن لها الحفاظ
    على نقديتها ونزعها القداسة عن كل الأشياء.

    فخطاب الحداثة يعد بالنسبة لسياقنا التاريخي التقليدي خطابا ملحا، لذلك لا
    محيد عن قراءة كانط، ومفهومه القوي للتنوير هو مكسب فكري وعملي للثقافة
    الكونية الحديثة ولا يمكن التنكر له، وأنه رغم انتقاد أدرنو وهوركهايمر
    وماركيوز ولوكاتش للعقل الأنواري، " فثقافة التنوير مازالت قادرة على تعبئة
    الناس وتحريرهم من حيزهم الوطني الضيق، ومن نطاق هويتهم الثقافية
    المحدودة، حتى يستطيعوا أن يفكروا تفكيرا شخصيا من حيث هم مواطنون عالميون"
    (5)، وبالتالي فالتنوير في سياقه التاريخي الأوروبي لا يزال قادرا على
    تشكيل المجال العمومي، الذي يمكن الناس من الحوار و التحرر المتبادل، كما
    تقر بذلك أطروحة هابرماس.

    الأمر نفسه فيما يتعلق بأطروحة كانط في الدين، والوارد في كتابه الشهير
    "الدين في حدود العقل البسيط"، والذي حاول فيه كانط جعل "الدين يجري في
    مجراه الطبيعي الواسع وأن لا يتم تحويله إلى مجار اصطناعية ضيقة لا تتلاءم
    مع سليقته فيسقط في ضروب التطرف الأحمق، فقد ضحى بالمعرفة في سبيل الإيمان،
    لا تبخيسا للمعرفة ولكن لضمان إمكانها"(6).

    ينطبق الأمر نفسه على حاجتنا في مجال السياسة وحقوق الإنسان لأطروحات لوك
    وهوبز واسبينوزا وروسو لأنهم بنوا الخلفية الفلسفية لحقوق الإنسان والدولة
    الحديثة، لاسيما وأن الثورات العربية المعاصرة، جسدت بقوة الانهيار الكامل
    للآداب السلطانية وللنظرية الإسلامية في السياسة، فثوار تونس ومصر وليبيا و
    اليمن لا يطالبون بدولة إمامة أو تطبيق الشريعة، بل يطالبون بدساتير
    ديمقراطية وبالتداول المنظم للسلطة ويطالبون بسيادة الشعب وليس بسيادة
    أولياء الله، ومن ثمة تصبح المرجعية الفلسفية للدولة الحديثة أمرا أساسيا،
    وتصبح الخلفية الفلسفية لحقوق الإنسان الضامن لكي لا تتحول حقوق الإنسان
    إلى مجرد قرارات صورية يسهل الانقلاب عليها(7)، بل يصبح "النضال الحقوقي من
    أجل الإنسان هو نضال وجودي"(8).

    نستطيع أن نتفهم رغبة المثقفين العرب الذين يجدون في انتقاد الحداثة سبيلا
    لإعلان انتماءهم للمعاصرة، لكنهم دون قصد يخدمون الأطروحة الانتهازية
    والتفليقية التي يتبناها بعض التقليدانيين، والذين يوظفون خطاب ما بعد
    الحداثة للانقلاب على الحداثة، كأن نجد اليوم فقهاء يعتبرون كتابي "أفول
    الغرب" لشبنغلر و"وداعا يا عقل" لفيرابند، بمثابة "شهد شاهد من أهلها" على
    فشل مشروع الحداثة، والنتيجة هي أن مثقف ما بعد الحداثة والفقيه العربي
    كليهما يخدمان مشروعا واحدا هو ترسيخ حالة المسخ التي نعيشها في مجتمعاتنا
    العربية، إنها مفارقة أقرب إلى السكيزوفرينيا، لكون المثقف العربي المعاصر
    يعيش تحديات عالمين منفصلين، تحديات التخلف واللامعقول في مناحي الحياة
    اليومية، حيث اقتصاد الريع والاستبداد السياسي والفساد الإداري وثقافة
    الأسطورة المنتشرة في كل مكان، بما في ذلك بيته ومدرسة أبنائه والمستشفى
    الذي تلد فيه زوجته…، وفي نفس الوقت تحديات تفكيك الحداثة وتقويضها
    وتجاوزها، مفضلا أن يتكلم "خطابات النهايات" شارحا ومفسرا وملخصا وواضع
    حواشي، ليبشر بنهاية العقل ونهاية التاريخ ونهاية الإنسان…ونهاية الحداثة،
    بدل أن يتكلم خطاب الحداثة نفسه ناقدا ومسائلا ومقوضا لمختلف مظاهر ما قبل
    الحداثة التي ترهن واقعه اليومي، فيحتفي بنهاية قيم لم يعش بداياتها
    ومآلاتها، ولعل الصورة البديعة التي أوردها الأستاذ العروي في أحد حواراته
    مع "مجلة آفاق" المغربية، تعبر بالفعل عن هذه السكيزوفرينيا، إذا يتعجب من
    مثقف قضى سنوات طويلة وبدل مجهودات جبارة وهو يبحث في فلسفة ما بعد
    الحداثة، وعندما يمرض يتجه للتطبيب في فرنسا، ولم يسأل نفسه لماذا الطبيب
    والمستشفى هناك أفضل من الطبيب والمستشفى هنا؟

    أزمة المثقف العربي المعاصر:

    لا يتعلق الأمر هنا بإعادة إنتاج أطروحة الأستاذ العروي، حتى وإن كنا
    نعتقد باستمرارية راهنيتها، ولكن ربط استيلاب المثقف العربي المنشغل بفلسفة
    ما بعد الحداثة بإحدى التجليات الأبرز لأزمته، فهي فعلا أزمة مثقف وثقافة
    وأزمة مجتمع في المحصلة، مجتمع تتحسس نخبته طريق الكونية عبر التهجية، إلا
    أنها تتهجى دون تمييز، ودون إدراك أن الفكر مسؤولية، وليس موضة تتغير بتغير
    نسق الفكر الغربي، فما دام مجتمعنا غير عقلاني في عموم ظواهره، فالدعوة
    إلى العقلنة والتحديث تبقى ذات مغزى، والتكرار الميكانيكي لأطروحات تنتمي
    لأوروبا القرن العشرين وما بعده، من طرف مثقفين ينتمون لمكان تخيم عليه
    أقانيم أزمنة القرون الوسطى يصبح أمرا غريبا.

    وهذه الغرابة تظهر في شكل تناقضات سنركز على أبرزها، وهي علاقة المثقف
    العربي بالنقد الفوكوي للعلوم الإنسانية، أولا؛ لأن هذه العلوم هي تتويج
    لكل مسارات الحداثة، فالتحولات الاجتماعية والتي فرضت ظهور ظواهر اجتماعية
    جديدة، والتحولات الاقتصادية والثقافية والتي فرضت ظهور ظواهر نفسية جديدة،
    فضلا عن تأثيرات المجال العمومي على العلاقات السياسية، والتحولات على
    مستوى المناهج العلمية وطرق البحث في مجال العلم التجريبي، كلها روافد
    للعلوم الإنسانية، فيمكن للباحث في الحداثة أن يكون هذا المجال العلمي
    مدخله المشروع للبحث فيها، ثانيا؛ أن غياب هذه العلوم في العالم العربي هو
    مصدر إحراج كبير لمختلف الفاعلين في المجتمعات العربية، لكونهم يتوجهون
    لشعوب لا يعرفونها، وبالتالي فاستلهام نموذج ميشيل فوكو من طرف المثقف
    العربي لنقد علمي العلوم الإنسانية لا ينبغي أن يخفي حقيقة أن المجتمعات
    العربية لم تدرس بعد من طرف هذه العلوم، بل إن الدراسات العلمية التي تعرضت
    لها هي ذات طبيعة استعمارية.(9)

    كما هو معلوم فكثير من المتفلسفين العرب يتبنون أطروحات الفيلسوف الفرنسي
    المعاصر ميشيل فوكو، وخاصة انتقاده للحداثة وتبشيره بموت الإنسان الحديث،
    الذي لم يكن إلا اختراعا انتهت صلاحيته مع الثلاثي نتشه وماركس وفرويد، غير
    أن الأطروحة الأكثر انتشارا عند فوكو هي التي ينتقد فيها علمية العلوم
    الإنسانية، لكن ما يتم الانتباه إليه هو أن فوكو ينتقد نمطا من المعرفة
    موجودا في مجتمعه، استطاع أن يحقق تراكما نوعيا وكميا أضحت معه العلوم
    الإنسانية محركة للنظر الفلسفي، أما المتفلسف العربي الذي يتبنى هذا الطرح،
    وهو يعيش في مجتمعات لا يزال الإنسان فيها غير قادر على التحول إلى ذات
    فردية، ولايزال يغلف سلوكه بنزعة قدرية وغائية تسحق إرادته و استقلاليته،
    إنسان يعلي من شأن القبلي والفطري ويحتقر البعدي والتجريبي، إنسان مزدوج،
    يحكمه نزوع طبيعي للحياة وفي نفس الوقت شعور قاتل بالذنب والخطيئة، لذلك
    أعتقد أن الطبيعي بالنسبة لمثقف حقيقي هو أن يبذل جهده أولا في سبيل ولادة
    الإنسان الفردي.

    بالإضافة إلى أن مجال العلوم الإنسانية في العالم العربي، لايزال يُنظر
    إليها بريبة وتحفظ، ليس مصدرهما مسألة العلمية والحرية كما يُطرحان في
    سياقهما الغربي الطبيعي، بل لكون هذه العلوم تضع الإنسان موضوع تشريح وهو
    الذي ينبغي النظر إليه دوما على أنه آية تشهد على الغائب، منها مثلا،
    اعتبار مسألة النفس على أنها سرّ إلهي لا ينبغي الخوض فيه لأنها من "علم
    الله"، بل إن اعتراف الإنسان بقصور علمه بالنفس هو اعتراف منه بكمال علم
    الإله، وهذا القبلي العقائدي هو نقيض للبعدي والتجريبي العلمي.

    المفارقة الأخرى التي يطرحها بحث المتفلسفين العرب في أطروحة ميشيل فوكو
    للعلوم الإنسانية، هي افتقار العالم العربي لمؤسسات بحثية قوية في هذا
    المجال المعرفي، وعندما نقول قوية فلأن الأبحاث التي تجرى في بعض الجامعات
    العربي لا تخضع لبراديغم، وهذا ما يفسر كون بعض النظريات في العلوم
    الإنسانية لا تطرح لنا أية مشكلة ولا تخلخل قيد أنملة بنياتنا الذهنية، مع
    أنها تحوز في منبتها التاريخي قوة هائلة وثورية، لنذكر مثلا أطروحات
    سيجموند فرويد، تماما كما نجد في الجامعات المغربية مثلا من لا يزال يدرس
    النظرية الداروينية دون مشكلة، معتقدا أنها نهاية العلم، مع أنه لو كان
    البحث العلمي عموما يخضع عندنا لبراديغم لتمت مساءلتها ابستمولوجيا، كما هو
    الحال اليوم في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بتأثير من الثورة
    الجينية المعاصرة.

    ما نريد قوله هو أن الأولى أن يجتهد المتفلسف العربي للدفاع عن خلق
    مؤسسات بحثية تعبر عن حاجة حقيقية لعلوم إنسانية، لأن عدم وجود تقاليد
    بحثية في هذا المجال المعرفي يطرح إحراجا كبيرا للأنظمة والأحزاب والمجتمع
    المدني العربي، والوجه الأبرز لهذا الإحراج هو أن السياسي العربي بعموم
    القول يتكلم باسم بشر لا يعرفهم، والأنظمة العربية تخطط لشعوب لا تعرفها،
    فما يُفهم من تفاجئ الحكام العرب مما يجري اليوم هو أن هؤلاء يجهلون
    شعوبهم، والمأساة هي أنهم قضوا عقودا يسوسون شعوبا يجهلونها، فأحد الفوارق
    الكبيرة بين الأنظمة الديمقراطية والأنظمة المستبدة تتجلى في كون الأولى
    تدرس الإنسان الذي تحكمه لتكيف أساليب حكمها ومؤسساتها ونظم قوانينها
    وخطاباتها مع وضعه البشري المتعدد والمتحول، بينما الثانية لا تدرس الإنسان
    الذي تحكمه، لأنها مطمئنة إلى أنه كائن بالمجاز، لا تتعدى آدميته حدود
    خوفه وتملقه ونفاقه، بينما الحقيقة التي أثبتتها تحولات العالم العربي
    مؤخرا هي أن الإنسان هناك هو جوهره الإنسان هنا، وأن عذر الحاكم العربي
    أقبح من جهله بشعبه، وهذا هو السر الأكبر في تسارع الأحداث من
    حوله…فالقذافي الذي يجزم بكون جميع الليبيين يحبونه لا يعرف شعبه، ومبارك
    الذي كان يؤمن إلى حدود الأسبوع الثاني من ثورة ميدان التحرير أن الشباب
    "يتسلون" هو حاكم لا يعرف شعبه أيضا، وبنعلي الذي علق على إحراق البوعزيزي
    لنفسه بـ"فليمت"، هو حاكم أيضا لا يعرف شعبه، وقس على ذلك، فإذا كان جهل
    الحاكم العربي لشعبه مدخلا لفهم ما يقع من تحولات متسارعة، فإن هذا الجهل
    بالإنسان لا يشكل استثناء، إذ هو نتاج مناخ ثقافي عام يحتقر العلم والمعرفة
    ويحتقر الإنسان في المحصلة، لأن الأنظمة التي تهتم بدراسة الإنسان هي
    نفسها الأنظمة التي تحتفي به، بينما الأنظمة التي تحتقر هذا الإنسان فهي لا
    تدرسه بل تقمعه من أن يعبر ويعيش تعدد وضعه البشري كإنسان، من هنا كانت
    الدراسات المتعلقة بالإنسان، والتي تعرف بالعلوم الإنسانية هي تتويج لعصر
    حديث يولي أولوية للعقلنة على السحر، والعلم على الأسطورة، والشعب على
    الحاكم، فعندما هبت رياح الأنوار على العقول، وانهارت معها كل مقدسات
    السياسة والكنيسة والماضي، فقد بدأت معها أيضا تباشير الإنسان…فلماذا يغفل
    المتفلسف العربي هذه الحقيقة؟

    الآن هنا أو سؤال الحداثة مرة أخرى:

    يتعلق الأمر في العالم العربي بنخبتين متناقضتين في كل شيء، غير أنهما
    تشتركان في شيء واحد هو القفز على مكتسبات الحداثة وركوب موجات نقدها
    وتجاوزها، نخبة محافظة ترى في مراجعة مفاهيم العقلانية والتقدم والموضوعية
    والواقع وغيرها، انتصارا لعقائد تراثية تمتح من الأصالة والخصوصية والهوية،
    لذلك يستهويها جدا، أن تشرح وتفسر وتلخص أطروحات فلاسفة ومفكري ما بعد
    الحداثة، بمنطق "شهد شاهد من أهلها"، أي "شهود غربيون يقرون بفشل مشروع
    الحداثة"، مع أن "ألفباء" الحداثة يظهر أن انتقاد الحداثة لنفسها هو امتداد
    للحداثة نفسها، وأن أزمة الحداثة هو جزء من أصالتها.

    ونخبة أخرى، ترى العصرنة الفكرية من خلال القفز من موقف إلى نقيضه، فقط
    لتظهر بمظهر المعاصرة، فتعتبر ديكارت وكانط وهيغل…فلاسفة ميتافزيقا، وتقول
    في أفلاطون نفس ما قاله فيه نتشه وهايدغر، وترمي تراثا كونيا عظيما لا يزال
    سبر أغواره تحديا للغرب نفسه، فكيف بنا ونحن نقرر في أمر هؤلاء ونحن لم
    نجرب أن نفكر ببداهة ديكارت وعقلانية كانط وجدلية هيغل، فلم نر العقل على
    صهوة جواده، كما عبر هيغل عندما رأى بونابرت، بل التخلف والبداوة وقيم
    الفروسية على متن سيارات من آخر الصيحات.

    الهوامش:
    1- في المغرب هناك حركة فنية محترمة تتبنى السوريالية، خصوصا في النحت و
    الفن التشكيلي، لكن المفارقة هي أن المغرب هو من الدول العالمية القليلة
    التي لا تجد في ساحاته العمومية أي تمثال، فما نجد هو أجسام مادية منعدمة
    المعنى نحتها أصحابها معتقدين أنهم فنانون معاصرون بينما هم يخدمون ثقافة
    تكره الفن وتحاكمه بقيم خارجية، مصدرها الدين خاصة.

    2- محمد المصباحي/ من أجل حداثة متعددة الأصوات/دار الطليعة بيروت/الطبعة الأولى 2010/ص5 و6/الفقرة 3

    3- أطروحة الدكتوراه التي ناقشها الأستاذ المصباحي سنة 1996، تم نشرها
    بعنوان "الوحدة و الوجود عند ابن رشد"/منشورات شركة النشر و التوزيع
    المدارس الدار البيضاء/ 2002

    أما عن قلق الحداثة والذي كان دوما مرافقا لأبحاث الأستاذ المصباحي في
    قراءته للتراث، فيمكن تشبيهه بتعبير لنزار قباني، فهو "كالكحل في العين
    السوداء و السكر في حبة العنب"، إذ أن الاشكالات التي يقرأ بها هذا التراث
    دوما ما تروم مساءلته و تقليب حدوده ومقولاته في أفق إحراجه أو زرع بعض
    بذور قيم الحداثة في تجاويفه، لننظر مثلا لكتاب " تحولات في تاريخ الوجود و
    العقل" الصادر عن دار الغرب الإسلامي سنة 1995، وخاصة الجزء الأول "رهانات
    الرشدية"، ثم كل فصول كتاب " الوجه الآخر لحداثة بن رشد" الصادر عن دار
    الطليعة ببيروت سنة 1998.

    4- أصوات متعددة للحداثة/ مرجع سابق/ ص 7/الفقرة 2

    5- نفس المرجع/ص 28/الفقرة 2

    6- نفس المرجع/ص 53/الفقرة 3

    7- لنلاحظ أن أغلب الدول العربية صادقت على الاعلان العالمي لحقوق
    الإنسان، باستثناء إمارات غرب آسيا طبعا،ولكن غالبا ما لا تكون هذه
    المصادقة مقرونة بالالتزام بمواد هذا الإعلان، الأمر نفسه في الديموقراطية،
    حيث يتم اختزالها في "صناديق اقتراع"، ولكن يتم توجيه اختيارات الناخبين
    بطرق غير ديموقراطية، وهذا ما يفسر الحاجة لفلسفة سياسية.

    8- نفس المرجع/ ص 91/الفقرة 2.

    9- في سياقنا العربي الذي يشكو من انعدام مؤسسات بحثية في العلوم
    الإنساني، يبدو لي أن النقاش حول علمية السوسيولوجيا الكولونيالية هو نقاش
    غير ذي معنى، فما كنا لنعرف أجزاء كبيرة من ثقافتنا وبنياتنا العرقية في
    المغرب مثلا، لولا الدراسات التي قام أمثال إدمون دوتي وميشو بلير وروبير
    مونطاني وليشاتلي وارنست غيلنز وروني غاليسو ودافيد هارت وجون واتربوري
    وجاك بيرك وغيرهم من الذين ساهموا في إنتاج منظومات مفاهيمية ومقترحات
    نظرية وأخرى ميدانية ساهمت في فهم ومعرفة المؤسسات والبنيات والهياكل التي
    يتأسس عليها المجتمع المغربي.
    مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

    لا يوجد حالياً أي تعليق


      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين نوفمبر 25, 2024 11:12 am